- نتابع التطورات الأخيرة في ليبيا، وتقدم قوات الوفاق بفعل دعم أنقرة، ما السقف المتوقع للوجود التركي وعملياتها في ليبيا، مع إرسال روسيا تعزيزات من الطائرات إلى حفتر، وتحذير تركيا من استهداف جنودها هناك؟
كما تعرفون، فإن قسما كبيرا من الجيش الليبي المدرب انضم إلى جانب حفتر بعد مقتل القذافي. لهذا كانت قوات حفتر في بادئ الأمر ذات حضور قوي في الساحة وأخضعوا لسيطرتهم كثيرا من المواقع الإستراتيجية وعلى رأسها آبار البترول.
لقد كان للدعم التركي دور كبير في ترجيح الكفة لصالح قوات الوفاق الوطني وقوات العشائر وذلك بتدريبهم وتنظيمهم من قبل الجيش التركي. ولا ننسى هنا الدور المهم للدعم الجوي الذي وفرته أنقرة لصالح قوات الوفاق.
بعد أن رجحت قوات الوفاق الكفة لصالحها بفضل الدعم الجوي استطاعت أن تسيطر على مواقع قوات حفتر واحدا تلو الآخر. هذا الدعم أظهر للعالم ولحفتر قبل ذلك مدى جدية تركيا في سياساتها بليبيا. وهذا ما يجعلهم يحجمون عن مهاجمة القوات التركية في المنطقة، إذ صرحت أنقرة بأن أي هجوم على قواتها سيقابل بتحرك القوات الجوية والبحرية التركية إلى المنطقة، كما أنهم أحجموا عن ذلك لأنهم يعلمون أنهم بهذا سيخسرون الدعم الدبلوماسي الضئيل الذي يستندون إليه.
هكذا تفوقت قوات الوفاق الوطني. وظهر هذا جليا في الانتصار الأخير الذي استولت فيه قوات الوفاق على قاعدة الوطية مما رفع من معنوياتهم، وهذا الوضع الراهن ينبؤنا بأن قوات الوفاق ستتابع انتصاراتها خلال الفترة القادمة بنفس التسارع ودونما توقف.
المواجهات الدائرة في ليبيا ليست بين الوفاق وحفتر فقط، بل تواجه حكومة الوفاق حربا غير مباشرة مع قوى دولية على رأسها روسيا والإمارات وفرنسا. لكن بإذن الله ثم بفضل الدعم التركي فإن قوات الوفاق ستنتصر قريبا.
- تمشي تركيا على خط رفيع في الملف الليبي، ربما الأمر أعقد من سوريا، بحكم أن حلف الناتو منقسم داخليا في الملف الليبي، ومع الدعم الروسي والإماراتي لقوات حفتر هناك، هل ستستمر تركيا في عملياتها بليبيا حتى تتمكن قوات الوفاق من بسط سيطرتها على كامل الأراضي الليبية؟
تركيا تتبع في ليبيا سياسة دقيقة وحساسة، لأن قوات حفتر مدعومة بشدة من قوى دولية تسعى لدعمها على صعيد الأمم المتحدة. لكن محافظة تركيا على العهود والمواثيق الدولية أثناء دعمها العناصر المحلية في ليبيا يقوي من موقفها أمام الأمم المتحدة.
لا شك في أن تركيا ستبقى في ليبيا حتى يتحقق السلام الحقيقي فيها، بل وحتى تجري انتخابات شفافة ونزيهة يختار فيها الشعب الليبي من يحكمه. لا بد أيضا من إعادة تنظيم الجيش الليبي وتدريبه ودعمه لوجيستيا وتزويده بالأنظمة الدفاعية الحديثة، وكذلك ما يلي ذلك من تقديم التدريب اللازم.
تركيا ستبقى إلى أن يتم كل ذلك. لكن يبدو أن الدول الغربية لا تنتوي التخلي عن أطماعها الاستعمارية في المنطقة، لهذا السبب تحديدا فمن الخطأ أن نطلب من تركيا الانسحاب من المنطقة.
آخر ما صرحت به الدول الغربية أنها على استعداد للجلوس على الطاولة والتحاور مع جميع الأطراف. وهذا يظهر استعدادهم لاستغلال مصالح المنطقة مهما كان الثمن. لكن ليبيا أثمن من أن تترك لقمة سائغة للدول الغربية الاستغلالية التي كانت تدعم حفتر حتى الأمس.
- مع الاتفاق التركي الليبي حول ترسيم الحدود البحرية ظهرت شائعات عن احتمالية عقد اتفاقيات مشابهة مع إسرائيل أو مع مصر، لضمان حقوق تركيا في البحر المتوسط، ما صحة هذه الشائعات، وإلى أي مدى يمكن أن تذهب أنقرة في علاقاتها مع خصومها بالمنطقة من أجل الحفاظ على حقوقها في المتوسط؟.
في العلاقات الدولية ما من دولة تتبع سياسة العداء المطلق. الدول ملزمة أن تسير حيث كانت مصلحتها دولة ومنطقة. للأسف فإن إسرائيل اليوم واقع موجود شئنا أو أبينا. وهنا يجب أن نذكر من كان مسؤولا عن بقاء إسرائيل حتى اليوم من دول وحكام سيسجلون في ضمائر شعوب المنطقة ولن تنسى أفعالهم.
لا شك أن الحل المعقول هو في اتفاق عادل يحفظ حقوق الدول في المنطقة. لأن الاتفاق العادل سيكون سدا يحول دون الحروب والمظالم. لكن ثمة حقيقة هي أن إسرائيل والدول الغربية لن تقبل بأي اتفاق يكون في صالح دول المنطقة.
كما أن تركيا أيضا لن تقبل باتفاق مع دول عدوة مثل إسرائيل أو جمهورية قبرص الرومية، تهدر فيه حقوق إخواننا المسلمين. ذلك لأن إسرائيل مهما اعترفت الأمم المتحدة بها فإنها تبقى دولة محتلة.
انتظار اتفاق من تركيا دولة وشعبا مع إسرائيل قبل خروجها من المناطق التي احتلتها هو ضرب من الخيال. وأكثر الحلول المقبولة لحل أزمة إسرائيل هو أن تتفق تركيا مع دول المنطقة ليكونوا يدا واحدة يمكنهم بها إخضاع إسرائيل لمصالح شعوب المنطقة.
لو كان الرئيس مرسي (رحمه الله) هو من يحكم مصر الآن، لما توانت تركيا لحظة في التعاون مع مصر. لكن للأسف مصر يحكمها عبدالفتاح السيسي الذي هو ألعوبة بيد أميركا، لذا نراه لا يعمل إلا لمصلحة الدول الغربية الاستعمارية إلى جانب إسرائيل. لكن هذا الوضع لن يدوم طويلا.
- في الفترة الأخيرة، أثارت استقالة الجنرال جاهد يايجي من الجيش التركي بعد إحالته إلى إمرة هيئة الأركان، بعد أن كان قائدا لأركان القوات البحرية موجة من التساؤلات حول خلفيات الأمر ودوافعه وتأثيره على الدور التركي في ليبيا والبحر المتوسط، فما رأيكم؟.
الجنرال يايجي كان له خطة أحدثت تأثيرا في الأوساط حول مصالح تركيا في شرق المتوسط والمنطقة الاقتصادية البحرية في ليبيا. وقد كان للاتفاقية التركية - الليبية في هذا الإطار تأثير كبير في قلب الطاولة على الدول المتآمرة على ليبيا. وهذا الوضع في الحقيقة سبب لنجاح خطته لا لتغيير منصبه.
لكن هذه الخطة في الوقت نفسه كانت مع جوانبها الإيجابية تتضمن مشاريع حول المصالح التركية في بحر إيجة، وهو الأمر الذي كان سيفتح بابا لفتح جبهة جديدة. ربما كان هذا القسم من خطته غير القابل للتنفيذ هو سبب تغيير منصبه. المصادر التركية لم تذكر أسبابا معينة لتغيير منصبه، وليس بيدينا إذن إلا التوقعات والتحليلات.
لكن لا تنسوا أن الجيش التركي مؤسسة تعود جذورها إلى ما قبل قرون طويلة. فلن يؤثر تغيير المناصب على قوة الجيش وفاعليته بالسلب أبدا.
- هل هناك اتفاق أو تقارب مواقف بين تركيا وأميركا حول سياسة أنقرة في البحر المتوسط؟
لا، ولا يبدو ذلك ممكنا، أميركا تسعى لتأسيس شبكة مصالح خاصة بها عبر دعم إسرائيل وقبرص الرومية ضد حليفتها في الناتو: تركيا. أميركا تدرك جيدا أنها لا يمكن أن تبلغ مآربها بالتحالف مع تركيا. فثروات منطقة شرق البحر المتوسط يجب أن تستخدم لصالح شعوب دول هذه المنطقة. ولأن تركيا تسعى لهذا الهدف فلا يمكن لها أن تتوافق مع سياسة أميركا.
- ماذا بالنسبة للعلاقات التركية اليونانية، هل من تطورات جديدة؟ وماذا عن التوتر الحاصل بينهما في الجزر اليونانية الاثني عشر؟، وهل أثرت التطورات في منطقة شرق المتوسط على هذه القضية؟
يعود تاريخ المصالح التركية في هذه الجزر إلى عام 1908. لكن تحديد وضع الجزر بوضوح تم باتفاقية لوزان. ينبغي ألا ننتظر أن يصبح هذا الموضع حديث اليوم، لكن يجب على الجميع أن يعرف أن مصالح المنطقة ستتحقق ذات يوم وستكون تركيا هي من يحقق هذه المصالح.
لكن إذا ما حاولت الأطراف الأخرى أن تتدخل بشكل سلبي فليعلموا أن تركيا سترد بالقوة، كما فعلت من قبل في سوريا وليبيا. ولا يستغرب أن تنزعج الأطراف التي اعتادت أن تتجول في منطقة المتوسط كالمهربين والقراصنة بعد أن بدأت تركيا تحكم سيطرتها على المنطقة.
- تحدثنا عن تحركات تركيا في ليبيا وسياساتها فيها وعلاقتها مع الدول الغربية وأميركا وإسرائيل، لكن ماذا عن دول المنطقة الأبعد قليلا، تونس والجزائر والمغرب؟
يرجع تاريخ العلاقات بين تركيا ودول المنطقة إلى ما قبل مئات السنين. وكذلك الشعوب تربطها علاقات وثيقة لم تشهد مشكلة قبل اليوم. لكن الحقيقة أن تلك الدول بعد الحرب العالمية الأولى استلم زمامها حكام كانوا لعبة بيد القوى الاستعمارية، وهذا تسبب في حدوث انقطاع في العلاقات بين شعوب المنطقتين. لكن اليوم غير الأمس، فالشعوب وكذلك الحكام باتوا يدركون بذور النفاق التي تزرعها الدول الاستعمارية بين شعوب المنطقة.
ونذكر هنا أيضا أن حدود تركيا مع دول المنطقة ليست مجرد حدود جغرافية تجمعهم في المنطقة، بل على عكس ذلك فإن القيمة الأولى الحاضرة في التعاون بينهم هي أخوة الدين والإسلام التي هي أسمى مراتب الأخوة.
لذلك تسعى الدول الغربية إلى تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة لتقف حائط صد ضد تركيا، ولكن مطمحهم بعيد، فعلاقات تركيا مع دول المنطقة في تطور مستمر، وسيزيد تسارع هذا التطور خلال السنوات القادمة ما دام التعاون مبنيا على مصالح صحيحة وعادلة.