لقد أمضينا أربعة أيام مكثفة معنوياً.
هبطنا في مطار تل أبيب بعد رحلة جوية استغرقت ساعتين مع تنظيم جولة سياحية ضمت 160 شخصاً، من بينهم 23 من أعضاء جمعية المدافعين عن العدالة، وبعد رحلة برية استغرقت ساعة واحدة وصلنا إلى القدس الشريف. أدّينا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، المعروف أيضًا باسم الحرم الشريف، المحاط بالأسوار، وتبلغ مساحته مئة وأربعين ألف متر مربع، ويمكن الدخول إليه من 17 بابًا مختلفًا، وفيه قبة الصخرة ومسجد القبلة الذي يتسع لـ 5000 شخص، ومسجد مروان وجميع المناطق المفتوحة التي امتلأت بالناس رغم الأمطار الغزيرة.
في اليومين الأول والثاني زرنا الأماكن المقدسة في المسجد الأقصى والقدس الشريف التي تعتبر مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، وفي اليوم الثالث زرنا القبور النبوية والأماكن المقدسة في مدن أريحا والخليل وبيت لحم، وفي اليوم الرابع وقبل العودة بالطائرة زرنا الآثار العثمانية في مدينة يافا.
إنها زيارة متأخرة بالنسبة لي. ولولا التشجيع، ولولا العرض الذي قدم لي، فمن يدري كم كنت سأتأخر، وأنا مدين بالفضل لمن كان سبباً في ذلك.
هذه الزيارة لها بعدان بالنسبة لي. الأول هو البعد المعنوي الذي يملأ قلوبنا؛ والثاني هو البعد السياسي الذي يذكر المسلمين بمسؤولياتهم.
القدس الشريف مدينة مقدسة يعود تاريخها إلى تاريخ البشرية.
الصلاة تحت القبة المغطاة بالذهب في قبة الصخرة المثمنة الشكل، في الصخرة الصلبة المحفورة التي أعطت المسجد اسمه، في المكان المقدس الذي يسمى حجر المُعَلَّق (الذي مُلئ تحته فيما بعد)، والذي كان نقطة انطلاق المعراج النبوي وسمي حجر المُعَلَّق لأنه كان في فراغ يرتفع عن الأرض بمتر واحد؛ وحينما نضع في أذهاننا في هذه العبادة أن نبينا صلى الله عليه وسلم وصل إلى حضرة ربنا من هذا الباب الذي يفتح إلى العرش، وأن الملائكة تنزل وتعرج إلى الأرض من هذا الباب، وأن الناس حينما يموتون تصعد أرواحهم إلى السماء من هذا الباب، وحينما نتصور أن العبادة في هذه الأماكن أفضل خمسمئة مرة من العبادة في غير الكعبة والمسجد النبوي، فإن المرء ينفصل عن أمور الدنيا ويتخذ هيكلاً أخروياً.
إن الإسراع إلى المسجد الأقصى في الصباح ووقت العشاء، عندما تسنح لنا الفرصة من رحلات سياحتنا المزدحمة، وأداء هذه الصلوات مع المصلين الذين أتوا من كل أنحاء العالم، يعطي طمأنينة ونكهة مختلفة لروحنا وجسدنا الذي يكتسي بقدسية المسجد الأقصى.
يجب أن تكون هذه الزيارة مباركة لطفٌ من ربنا.
لقد زرنا حائط البراق الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط مبكى اليهود)، حيث ربط النبي (صلى الله عليه وسلم) البراق التي أسرى بها من مكة إلى المسجد الأقصى؛ ومسجد سيدنا عمر (رضي الله عنه) الذي بني في المكان الذي صلّى فيه بعدما استلم مدينة القدس بعد فتحها، بالقرب من المسجد الأقصى وفوق كنيسة القيامة؛ وجبل الزيتون الذي يتيح فرصة لمشاهدة القدس والمسجد الأقصى من منظور عين الطير، وهو المكان الذي صعد منه سيدنا المسيح (عليه السلام) إلى السماء بعدما صلب 40 يوماً باعتقاد المسحيين، زيارة مقابر داوود (عليه السلام) وسلمان الفارسي رضي الله عنه ورابعة العدوية، وقبر موسى (عليه السلام) والكلية الإسلامية المجاورة له بالقرب من مدينة أريحا على بعد ساعة شمال القدس الشريف، وبحيرة لوط (عليه السلام) الذي يسمى اليوم بالبحر الميت التي تشكلت على ارتفاع 400 متر تحت مستوى سطح البحر فوق موقع مدينتي سدوم وعمورة اللتين كان يعيش فيها قوم النبي الذين هلكوا، وقبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف (عليهم السلام) في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل على بعد 50 دقيقة جنوب القدس الشريف، وقبر يونس (عليه السلام) في بلدة حلحول، كل ذلك يرفع الروح المعنوية إلى أوجها ويضفي عليها كثافة كبيرة.
أثناء تجولنا في الأماكن التي نزورها يهرع المسيحيون واليهود إلى أماكن عبادتهم بملابسهم الدينية وفقاً لمعتقداتهم؛ المسيحيون في كنيسة القيامة الرائعة، في الكنيسة التي دفنت فيها السيدة مريم العذراء وآباؤها، وفي الكنيسة التي قبلت على أنها مكان ميلاد السيد المسيح؛ عندما يرى المرء اليهود يتعبدون وفق معتقداتهم وفي رهبة عند قبر داود وحائط المبكى لا يسع المرء إلا أن يتمنى لو أن هؤلاء القوم قد دخلوا في الإسلام بإخلاصهم، ويتفهم المرء بشكل أفضل اهتمام المسيحيين واليهود بالقدس الشريف، الذي يشاع أيضاً أنه المكان الذي سيقام فيه الميزان يوم القيامة.
وأود أن أختم مشاعري وأفكاري حول البعد المعنوي للزيارة بإيماني بأن عدم التمكن من زيارة هذه المدينة المقدسة والأماكن المقدسة سيشكل نقصاً معنوياً للمسلمين.
القدس الحزينة والفلسطينيون المظلومون
ولكونها قبلة المسلمين الأولى، فقد توطدت أول رابطة معنوية بين الإسلام وبيت المقدس بحادثة الإسراء برسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وقد فتح المسلمون هذه المدينة المقدسة عام 636 ق. م في عهد سيدنا عمر (رضي الله عنه).
في عام 1071، خضعت المدينة للحكم السلجوقي،
وفي عام 1099 احتلها الصليبيون بعد 88 عاماً من الحكم الصليبي،
وفي عام 1187، استعادها صلاح الدين الأيوبي،
وبين عامي 1233 و1244، وبعد 11 عاما خضعت لحكم فرنسا، ثم عادت إلى حكم الأيوبيين.
القدس الشريف؛
بعد الغزو المغولي عام 1243،
استولى عليها المماليك عام 1259،
وفي عام 1517، مع فتح مصر على يد السلطان يافوز سليم الأول، أصبحت تحت الحكم العثماني مع فلسطين.
بعد 400 عام من الحكم العثماني،
في 09 كانون الأول/ديسمبر 1917، تم الاستيلاء على فلسطين من قبل البريطانيين، وأنشأ البريطانيون إدارة انتداب في فلسطين، وجعلوا من القدس الشريف عاصمة لفلسطين،
وفي عام 1948 انسحب البريطانيون من فلسطين بعد إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ هذا التاريخ، بدأت الصراعات العربية الإسرائيلية؛
في حرب عام 1967، احتلت إسرائيل فلسطين بأكملها وهي اليوم تسيطر على القدس والمسجد الأقصى.
كما أن دولة فلسطين تخضع بالكامل لسيادة إسرائيل.
وهي غير معترف بها من قبل العالم كدولة مستقلة.
وليس لها أي اتصال بري أو بحري أو جوي مع العالم الخارجي.
يتحكم الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الإسرائيلية بمداخل المستوطنات ومخارجها التي تقع في أيدي الشعب الفلسطيني.
المستوطنات الفلسطينية التي تم تشكيلها في كانتونات معزولة عن بعضها البعض ومحاطة بجدران سميكة وعالية في محاولة لإبقائها تحت السيطرة وتهدئتها بالكامل.
في الأراضي الفلسطينية، يتم التحكم في الطرق السريعة بين المدن من خلال أبراج مراقبة فولاذية عالية مزودة بكاميرات وأجهزة إلكترونية يتم نصبها على التقاطعات والنقاط الحرجة. ويقف جنود للحراسة في هذه الأبراج.
في محيط الأراضي الفلسطينية، تم بناء مستوطنات يهودية جديدة على شكل مجمعات سكنية حديثة محاطة بأسوار عالية من الأسلاك الشائكة، والتي تُستخدم أيضًا كقواعد لقوات الأمن.
إن مداخل ومخارج مناطق المستوطنات الفلسطينية، وكذلك مداخل ومخارج الأماكن المقدسة مثل المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي تسيطر عليها نقاط الحراسة والبؤر الاستيطانية التي أقامها جنود الاحتلال وقوات الأمن الإسرائيلية.
يُمنع الشباب الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى بالأوقات اليومية، ومن لا يلتزم بالمنع يتم رصده بالكاميرات ويمنع من دخول المسجد الأقصى لمدة شهرين. والمسجد الأقصى، الذي تقع رحمة صيانته وترميمه على يد إسرائيل، هو ملاذ حزين وموحش.
وتحت ذريعة البحث عن آثار وموقع معبد سيدنا سليمان (عليه السلام) تحت المسجد الأقصى، تجري محاولة تدمير هذا المعبد وقطع أهم صلة للمسلمين بالقدس الشريف.
ولا يُسمح للفلسطينيين المقيمين في القدس الشريف والخليل والحرم الشريف والحرم الإبراهيمي بالعودة إلى هذه الأماكن إذا غادروها دون إذن.
في القدس الشريف، يتم الضغط على المنازل المملوكة للفلسطينيين في محيط المسجد الأقصى لبيعها للإسرائيليين، ويضطر أصحاب هذه العقارات للعيش على حافة المجاعة، ويتم تقييد قدرتهم على بدء عمل أو العثور على عمل، ومن يضطر إلى البحث عن عمل خارج القدس الشريف والعمل لأكثر من عامين يتم إلغاء إقامته في القدس الشريف.
المنازل الفلسطينية المحيطة بالمسجد الأقصى والتي تحتاج إلى إصلاح لا تحصل على تراخيص إصلاح، وتترك ليتم هدمها، وتفرض عقوبات شديدة على من يقوم بالإصلاحات دون تصريح.
هناك احتلال إسرائيلي كامل للأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني يعيش في سجن مفتوح.
الفلسطينيون هم شعب مضطهد يعيش حياة غريبة بلا حقوق في أرضه.
بعد رؤية هذا المشهد على عين الحدث، ازدادت المسؤولية التي نشعر بها تجاه هؤلاء الناس وهذه الأماكن المقدسة أكثر فأكثر على عاتقنا.
يجب على الدول الإسلامية أن تتواصل مع أبناء الإسلام وهؤلاء الأضرحة الحزينة في أسرع وقت ممكن.
ما يمكن القيام به على وجه السرعة:
يجب على كل مسلم قادر ماديًا أن يزور القدس ويزور فلسطين ويشاهد كل شيء على أرض الواقع.
وينبغي الاستعانة بالمنظمات السياحية لهذا الغرض. ولا توجد صعوبات في الجمارك ونقاط التفتيش الإسرائيلية للسياح. ولا توجد صعوبات غير الضوابط التي يتطلبها الأمن. استُقبلت قافلتنا بالورود في مطار تل أبيب من قبل رئيس ووفد اتحاد الأتراك في إسرائيل الذي يدعي أنه يضم ثمانين ألف عضو. السفر خالٍ من المخاطر ولا داعي للقلق بشأن الأمن.
يجب تلبية الاحتياجات المادية للشعب الفلسطيني من قبل الدول الإسلامية.
ينبغي تحديد جميع احتياجات منطقة غزة وأراضي الحكم الذاتي الفلسطيني سنوياً وفق أسلوب الميزانية كنفقات عامة جارية ومدفوعات استثمارية؛ وينبغي أن يتم جمع المبلغ المحدد من الاحتياجات في صندوق تنشئه الدول الإسلامية ويجب أن يتم الوفاء به بشكل مستمر ومنتظم. ويجب ألا يكون الفلسطينيون تابعين للقوى الإمبريالية التي تستخدمها إسرائيل، ويجب منعهم من بيع بيوتهم وممتلكاتهم، ومنعهم من مغادرة فلسطين، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وتوفير التوازن النفسي لهم.
ويجب الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة.
وبالتالي، يجب ضمان الاتصال الجوي والبري والبحري مع العالم الخارجي وتهيئة البيئة المناسبة لتوفير الدعم السياسي ضد الاحتلال.
الاحتياجات طويلة الأمد:
هذه التنظيمات ضرورية ليس فقط لفلسطين، ولكن أيضًا للعالم الإسلامي ككل. قد ننظر اليوم إلى هذا الأمر على أنه حلم. ولكن بعد الحلم مشروع ناضج، وبعد المشروع قبول وخطاب واسع النطاق، وبعد الخطاب التنفيذ. وآمل أن تتحقق أحلامنا وأمانيّنا في أقرب وقت ممكن.
لو كانت هناك جمعية برلمانية تمثل فيها الأمم الإسلامية تمثيلاً عادلاً، ولو كانت هذه الجمعية تعمل بصورة دائمة،
وإذا أمكن تحديد لجنة تنفيذية دائمة وتعيينها من قبل هذه الجمعية،
ولو كانت هذه اللجنة التنفيذية تسعى إلى حل مشاكل الدول الإسلامية في إطار القرارات التي ستعتمدها الجمعية البرلمانية،
وأن يتم تمويل الميزانيات السنوية للجمعية البرلمانية واللجنة التنفيذية من قبل الدول الأعضاء وأن يتم تمويل الميزانيات السنوية للجمعية البرلمانية واللجنة التنفيذية من قبل الدول الأعضاء،
ولو أمكن بتنظيم اللجنة التنفيذية أن يجتمع وزراء الدول الإسلامية في كل مجال من المجالات بصفة دورية، ويناقشوا القضايا المشتركة للأمم الإسلامية، ويحددوا السياسات المشتركة في كل مجال من مجالات الوزارة، وخاصة إذا أمكن تحديد مبادئ مشتركة للسياسة الخارجية وتنفيذها،
وإذا أمكن إنشاء محكمة العدل بين الدول الإسلامية التي تعمل وفق قواعد قانون الدول، وإيجاد حلول سياسية للمشاكل بين الدول المكونة لها وبين الدول الأخرى والدول الأعضاء،
ولو كان هناك تعاون في مجال الدفاع والصناعات الدفاعية بين الدول الأعضاء،
ولو أمكن وبمشاركة الدول الأعضاء إنشاء قوة تدخل سريع، وتحت إشراف ومراقبة لجنة تنفيذية، ويمكن استخدام هذه القوة العسكرية عند الضرورة، على سبيل المثال، ضد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية،
ولو أمكن إنشاء محكمة لحقوق الإنسان تحت رقابة الجمعية البرلمانية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدول الأعضاء، ومحكمة جنائية لمحاكمة الحكام على الجرائم المرتكبة ضد المحكومين وتفعيلها،
لو أمكن إنشاء جيش نظامي لفلسطين في الأراضي الفلسطينية وفي أراضي الدول الأعضاء الصديقة بمساهمات الدول الأعضاء،
ولو أمكن إنشاء صناديق للتعاون الاقتصادي ومساعدة الدول الأعضاء،
يمكن إرساء السلام والطمأنينة بين الدول الإسلامية أولاً ثم في العالم أجمع.
إن القضية الأساسية التي يمكن أن تقلل من المشاكل في الدول الإسلامية، بما فيها فلسطين، ينبغي أن تكون همنا المشترك في تنفيذ التشكيلات التي من شأنها تحقيق الاتحاد الإسلامي في أسرع وقت ممكن. 04 شباط/فبراير 2012
عدنان تانريفيردي
عميد متقاعد
رئيس أصام