إما ان تكون أسد أو غزال في عصر العولمة
ان عالم الاجتماع Anthony Giddens يقتبس الحكاية التالية عن آثار ثقافة العولمة في كتابة الذي يحمل الاسم " العالم الذي يفر ويذهب من أيدينا ": " أحد أصدقائنا كان يعيش حياة قروية في أفريقيا الوسطى. قبل عدة سنوات وبهدف تسيير عمل ميداني ذهب أول مرة الى منطقة بعيدة وفي اليوم الذي وصل فيه الى هناك تمت دعوته الى منزل للتسلية الليلية. ان اول ما يمكن التفكير به مباشرة كان صديقي هناك يتأمل في تعلم شيء بخصوص التسالي التقليدية المتعلقة بهذا المجتمع الذي كان في حالة معزولة عن العالم الخارجي. ومع ذلك كان سبب تلك الليلة غريزة بسيطة وهي مشاهدة فلم بشكل جماعي ولم يكن شيء غير هذا. وعلاوة على ذلك كان الفلم لم يعرض في سينمايات لندن بعد."
هناك الكثير من تعريفات العولمة. ان تلخيص العولمة الآن هي المعلومات و السلع و الاموال وما يزيد عن حدود الناس السياسية و الاقتصادية و الثقافية. وقول هذا سيكون كافي. مع العولمة وتصور تغير المساحة الفعلية عندنا من خلال تداخل الوقت و الزمن والذي سمي هذه الفترة به مما يجعلنا نشعر بأن العالم صغير. ومع وجود هذا التغير الكبير من التطور في العصر الرقمي. ففي يومنا في هذا العالم فان الاهتمام المتزايد تحوّل من السلع الى المعلومات. المعلومات و خصيصا في الوسط الرقمي واعتبارا من تحولها الى شيفرات للحواسيب أصبحت عديمة الوزن وبامكانك ارسالها لأي مكان في العالم في لحظتها.
Eric Hobsbawn يعرف عصرنا الذي نعيش فيه على أنه " الانتصار العالمي للولايات المتحدة الامريكية ونموذج حياتهم ". وكان Henry Kissenger الذي قدم هذا الى الامام: يقصد بـ " العولمة هي الاسم الآخر للدور المهيمن للولايات المتحدة الامريكية ". وبامكاننا اختصارالعولمة على أنها مفهوم يشير الى التجانس في جميع انحاء العالم استنادا الى الاوصاف المشابهه وجعل المجتمع يتشبه بالغرب من خلال الهيمنة عليه وبامكاننا القول بأنها مغامرة الأمركة.
في عالم اليوم نشاهد حقيقة تشكل وتعزيز قوة النظام الاقتصاد الرأسمالي من قبل العولمة. في التنظيم العالمي وفي تدفق مفهوم الرأسمالية الليبرالية العابرة للحدود كانت الشركات المتعددة الجنسيات. لذلك أصبحت هذه الشركات الجهات الفاعلة المهيمنة في العالم بسرعة التجانس الموجود وقال Hegel : أصبحت " الدولة تبدأ في نهاية حدود الشركات ". ان أهم سبب لوجود العولمة هي براعة الشركات العابرة للحدود حيث تشكل العولمة الاقتصادية الحلقة الأولى لها و تأتي بعدها بطبيعة الحال العولمة الثقافية. يقول المؤرخ Walter LaFeber من أجل الشركات العابرة للحدود والتي هي قاطرة العولمة "هؤلاء لا يبقون في تغيير عاداتهم في البيع في المجتمع, في نفس الوقت يقومون بالتغيير في الهيكلية التي قام عليها المجتمع بذاته " في الواقع فان طريقة الاستهلاك الامريكية و العولمة و البناء الفوقي و الحداثة ومابعد الحداثة واعمالهم على بناء المجتمع لخّصها عالم الاجتماع George Ritzer حالة المجتمع في تلك الحالة بـ التشبه في McDonald’s. ان تبعية المجتمع بـ McDonald’s والتخبط في ثقافة الطعام من خلال هذه الظاهرة حيث شكلت في انتشارها بشكل يغطي العالم. المهم في هذا النظام هو انه أصبح ثقافة غذائية شائعة و تقليدا جديدا. بطبيعة الحال لن تكون اضافة اللبن الى القائمة في تركيا أو اعطاء النبيذ في فرنسا أو استخدام لحم الخراف بدلا من لحم البقر في الهند. عند النظر بهذا الاسقاط فان تجانس أنماط الاستهلاك في العالم تقريبا ومن جانب اظهار نمط الحياة المتشابهة بين المجتمعات البشرية في الجغرافية المختلفة فان استعارة Ritzera بـ McDonald يعتبر مثال مهما.
بامكاننا أن نقول وبدون تردد: أنها تخللت المجتمع من خلال الخطاب ( الوجبات السريعة )" استهلك دون تفكير " " عش سعيدا بالاستهلاك " " استخدم وارمي " " الاستهلاك المباشر ", ان الثقافة الاستهلاكية العالمية تستمر في طريقها من دون أن تخفض في سرعتها من خلال محي القيم المحلية القديمة والهوية. عند تحول مراكز التسوق مابعد الحداثة الى معابد المستهلك, و الناس اللذين يكبرون من قبل اظهار اظهار ابداع هذه القصور المفتونة, التسوق تحول من أجل اللذين لديهم احتياجات واللذين يدهبون ويقومون بالشراء بشكل فعال و اللذين يمضون الساعات " بحرية " بين السلع قبل الشراء الى وضع قبولهم بالأسعار الثابتة. في الفترات التقليدية افان الاستهلاك المبني على مفهوم " الاحتياجات " الضرورية فهي بدأت في أن تصبح مستندة على مفهوم " الطلب " و " الرغبة " في فترة مابعد الحداثة أو العصر الحديث. وهكذا فقد الاستهلاك الطابع العقلاني واتخذت بعض التجارب و الطوابع الغير عقلانية. بدؤوا في استخدام فعاليات و أنشطة الاستهلاك في تحديد الهوية و الوضع الاجتماعي وتحول الاستهلاك الى نوع من النشاط الاجتماعي. ليس اثبات الوجود من خلال الهوية الثقافية لهم بل في تعميم ان يكونوا أصحاب كل شيء, وأصبحنا في وضع التحول الطبيعي لزمن مابعد الحداثة المعرف للانتاج و الاستهلاك من قبل احد الأفراد. في فترة تم أخذ الانسان الى مركز عصر المتعة و السرعة, الوضع الذي بداخله نتحول من دون اي استجواب و تهور. عندما تتشكل هويتنا و شخصيتنا و ملابسنا وفق العلامات التجارية وماركة السيارة و العمل وصولا حتى الى امكانية النجاح في الحب ما يعني أننا تحت حملة اعلامية مكثفة في الواقع نحن امام كشف لحقيقة كبر المشكلة التي نواجهها أمام أعيننا. بالمناسبة في الآونة الاخيرة وبالأخص في الدول العربية و الشرق الأوسط وايجاد الأسواق والذي لقى رواجا كبيرا فيما يسمى باكساب : البورصة " والدخل " الوطني " ينبغي العمل على ارسال المسلسلات التركية. الاهتمام الكبير التي لاقته هذه المسلسلات ليس بسبب ما تعكسه من الحضارة القديمة لهذه الجغرافية أو لأنها تنقل القيم بصمات الاسلام التركي : في جميع المجالات ففي جانب كشف النقطة الاخيرة من ما توصلت اليه الثقافة الاستهلاكية و التي تحول تقريبا الى هستيريا في استهلاك السلع و الزمان و المكان فكانت الجملة التالية من فلم " نادي القتال " لـ David Fincher أهمية حارقة : " الأشياء التي تملكها, في النهاية تبدأ بعدم الاعتراف بك ".
العولمة على الرغم من الدور الذي لعبته في هدم جدار برلين ومن اجل جعل الانسان بمفرده و بلا وطن وبلاجذور بدأت باعمار جدار بين قيم مجتمعه ومن خلال الفرض الذي أصبحت فيه جعلت ضرورة النظر الى العالم الخارجي من خلال "نافذه ". على سبيل المثال داخل هذه المعمعة ومن جانب ثقافة التضامن الاجتماعي ومن المهم و الغير قابل للنسيان حيث حافظت على شعار " ليس منا من بات شبعان وجاره جائع ", حيث أن تم تفضيل المنافسة الفردية بدلا من تقاسم وتشارك الرفاه في المجتمع, حيث أن الحياة الاجتماعية التي تغيرت بتغير الدخل و الوضع الاجتماعي أدت أيضا الى تغير البيئة الاجتماعية. وكنتيجة طبيعية لهذا فان التغيرات المكانية المعاشة بين الجيران حيث أن في المناطق التي لا تحتوي على فقراء فهي تستمر في الحياة المتكاملو في أنماط الحياة الجديدة. حتى أن هذه الاماكن الجديدة وان كان في الامكان تبنى الجدران العالية وكأنها أبواب مخفر عسكري وخلف هذه الابواب الامنية المشددة مجمعات " القلاع المؤمنة " حيث أنها فصلت العلاقات الاجتماعية و أغلقت الادراك مع العالأم الخارجي. في زمن مابعد الحداثة فان تقليد التضامن و التشارك بدأت تقام بفعل وبواسطة منظمات المجتمع المدني, حيث أنها وصلت لمرحلة لا يمكن فيها في التشارك مع الحالة الروحية و فرحة وجه المحتاج. ما نقصده أو ننتقده هنا ليس منظمات المجتمع المدني بل الحالة و الآلية التي اصبحت فيها علاقات الناس بالناس. حيث أنها أصبحت علاقات وعواطف الناس في عصر العولمة في حالة العلمانية, حيث أننا كنا نقول لأطفالنا في الماضي: " قم بانهاء الطعام الذي في طبقك, فهناك الكثير من الناس في العالم جياع لا يجدون هذا " لكن الآن نقول : "اعمل جيدا لدراستك, وقم باتمام وظائفك, فهناك الثير من الناس في العالم يطمح لكي يقوم بعملك " مثلما قلنا سابقا فان مجتمعات و التجمعات السرعة و الجاهز و المستندة الى منافسة السوق بشكل كامل, حيث انها وبدون اعطاء فرصة استجواب لعلم الوجود في انسانيتنا وحيث يتم السحب الى موقف يوفر مكان للحركة بفلسفة " البشر هم ذئاب للبشر ". هذاسيكون لنا ملخص لعصر مابعد الحداثة ويذكرنا بالمقولة التي قيلت في مصنع للسيارات الامريكية في الصين: " في افريقيا كل صباح يصتيقظ غزال. الغزال يتطلب الجري بسرعة أعلى من الأسد الأكثر سرعة, والا فانه يعرف أنه سيقتل. في افريقيا يستيقظ أسد في كل صباح, الأسد يتطلب بأن يكون أسرع من أبطئ غزال, والا فانه يعرف بأنه سيبقى جائع. كونوا أسود أم كونوا غزلان. ابدؤوا بالجري من طلوع الشمس."
منذ سنوات كانت هناك اعلان في التلفزيون لشركة مفروشات جذبت انتباهي وارتجفت. ومن الذي فهم من الاعلان خلال جلسة شاي للعائلة على مجموعة الأريكة الجديدة التي تم شرائها يقوم الأب بكب الشاي عليه وعلى الأريكة وبعد سكب الشاي على الأريكة بدأت الهواجس عند الابن و الأم وهم في حالة ارتباك وبدؤوا بتفقد الأريكة هل أصابها مكروه ام لا, وجل الناس كأدوات مؤقتة, ومثال على ما يمكن ان يكون لنا من الأشياء المملوكة والتي لا تزال ماثلة في ذاكرتي بوصفه ظاهرة مأساوية.
كنتيجة فانه ينبغي تحديد: أهم امتحان ينتظر المجتمع و الأفراد في عصر العولمة الذي نحن بداخلة ومن غير الممكن الخروج خارجه: فمن أجل تأمين توازن بين العولمة وحماية الشعور بالهوية و الوطن و الانتماء ينبغي ضمان الوقوف بشكل صحي. في حال لم يتم بناء هذا التوازن فانه من كل الجوانب العلمانية و الفردية و التوحد حيث من غير الممكن أصلا عندها الوقوف في وجه التحول الى حالة الوجود كسلعة في دوامة الهيمنة العالمية. ودعونا نسأل أنفسنا : " هل نحن مضطرون لأن نكون أسودا ام غزلان في عصر العولمة ؟"